حالة من الاستياء والترقب تسود مجموعة من المستثمرين، بعد قرار
هيئة التنمية الصناعية، بإحالة ملف رخص الحديد الأربع الجديدة لإدارة
الفتوى بوزارة الصناعة، وهو أمر من شأنه تعطيل مسار العمل، حيث أكد
المستثمرون أن القرار يفتقد الجدية، ولا يعتمد على الشفافية، ولا يستند
إلى القانون، مما يترتب عليه تعطيل استثمارات تصل إلى نحو 2 مليار جنيه،
حسب دراسات الجدوى للمشروعات الأربعة، وهذا يكون من شأنه تشويه مناخ
الاستثمار فى مصر.
كانت أربع شركات حصلت فى 17 يناير الماضى على رخص لإقامة مصانع حديد
لإنتاج 2 مليون طن حديد تسليح، ومليون طن بيليت، هى: «المراكبى للصناعات
المعدنية» فى السادس من أكتوبر، و«بورسعيد الوطنية للصلب» و«حديد المصريين
بالمنيا» و«الوطنية للصلب» بأسيوط، وتم إعطاء الشركات مهلة شهر لدفع قيمة
الرخص، وقدرها 95 مليون جنيه.. والمعروف أن هذه الفترة كانت بعد اشتعال
ثورة 25 يناير، وتوقفت البنوك والمؤسسات والبورصة، وكل مظاهر الحياة
الاقتصادية فى مصر.
القضية يطرحها المستثمرون على الدكتور عصام شرف، رئيس مجلس الوزراء، لوقف
نزيف الخسائر، وحتى لا يتم تعطيل هذه الاستثمارات، وتحتاج إلى سرعة اتخاذ
القرار بعد أن أحس هؤلاء المستثمرون أن الأيدى المرتعشة داخل الهيئة هى
التى تعرقل اتخاذ القرار، خشية أن يحدث لها ما حدث لرئيس هيئة التنمية
الصناعية السابق المهندس عمرو عسل.
المدهش أن هذا الأمر لا يحتاج إلى كل هذه المتاهات، ولا يحتاج إلى إدارة
الفتوى بوزارة الصناعة، لأن منح الرخص الأربع واضح وضوح الشمس، ولا يحتاج
إلى الأيدى المرتعشة داخل الهيئة، فهذه الشركات فازت بالرخص من خلال
المناقصة التى حددها القانون، وبالنسبة للمهلة المسموحة لأصحاب الرخص
والمحددة بشهر من 17 يناير حتى 17 فبراير، كانت أيام حدوث الثورة، وهى
فترة لا تسمح بأى نشاط، حيث كانت مصر فى حالة قهرية، ومرت البلاد بظروف
عصيبة، حيث أغلقت البنوك والبورصة والشركات والمصالح فور اندلاع الثورة،
ووصل الأمر بأن أصحبنا فى شبه شلل تام، إلا أن الهيئة العامة للتنمية
الصناعية لا تعترف بثورة 25 يناير، ولا بظروف البلاد وتداعياتها، والشلل
الذى أصاب أنحاء البلاد وقتها.
كان الدكتور المهندس سمير الصياد، وزير الصناعة والتجارة الخارجية، قد
التقى أصحاب شركات الرخص الأربع، وبروح الود والتفاهم كشان الحوار واللقاء
الذى انتهى بوعد واضح بإنهاء الأزمة، فهو متفهم للوضع، وللفترة الزمنية
العصيبة التى مرت بها البلاد بعد ثورة 25 يناير، ولم يكن من الممكن تسيير
وتحقيق المطلوب خلال مدة المهلة التى تنتهى فى 17 فبراير، وبرغم أن الوزير
تفهم لهذا كله ووعد بحل المشكلة، فإنه حتى هذه اللحظة لم يحدث فى الأمر أى
جديد!
وبرغم وضوح الرؤية فى هذا الشأن، فقد انقسم أعضاء المجلس بهيئة التنمية
الصناعية حول حسم مصير هذه الرخص، حيث أيد بعض الأعضاء إعطاء الشركات مهلة
لسداد قيمة الرخص، بعد انتهاء المهلة المحددة فى 17 فبراير الماضى، دون أن
تقوم الشركات بسدادها، حيث أكد المؤيدون لهذه الفكرة أن فترة المهلة كانت
لا تسمح بأى نشاط، وأنه لابد من مد المهلة، وأجمعوا على أن المد سيؤدى إلى
جذب الاستثمارات بنحو 2 مليار جنيه للسوق، وتقوية سمعة الاقتصاد القومى،
بالإضافة إلى إدخال 95 مليون جنيه لخزانة الدولة تمثل قيمة الرخص.
كان عدد آخر من الأعضاء قد أيدوا عدم المد من خلال مزاعم غير مقنعة،
حيث أعلنوا أن الظروف التى مرت بها مصر لم تكن مانعاً فى سداد الشركات
الأربع المبالغ المالية المستحقة لهذه الرخص، وهذا الافتراض يتنافى مع
الواقع تماماً، فأثناء قيام الثورة لم يكن من الممكن مواصلة أى نشاط بحرية
على الإطلاق.
المعروف أن الرخص الأربع الأخيرة تعد أولى الرخص التى يحصل عليها مصريون
بمقابل مادى، وأن قيمة تلك الرخص هى الأعلى سعراً فى العالم، ولهذا فإن
ملف التراخيص يحتاج إلى قرار حاسم وسريع، فالخسائر التى تتكبدها هذه
الشركات كبيرة للغاية، ولا يستطيع أحد أن يتحملها، وهو ما يضر بسمعة
الاستثمار فى مصر على المستوى الخارجى، والذى يرتبط بالتعاقدات التى
أبرمتها الشركات مع شركات عالمية وبنوك دولية لتمويل عمليات البدء فى
تدشين خطوط الإنتاج.
المهندس محمد المراكبى، عضو مجلس إدارة غرفة الصناعات المعدنية ورئيس إحدى
الشركات الحاصلة على رخصة للحديد، يقول: لقد تم الحصول على الرخصة وفقاً
للإجراءات القانونية بعد أن أعلنت هيئة التنمية الصناعية عن طرح رخص حديد
جديدة لإنتاج 2 مليون طن حديد تسليح، ومليون طن بيليت بنظام التأهيل الفنى
والمالى للشركات من قبل، لضمان توافر الخبرة الفنية والقدرة المالية فى ظل
توافر 275 مليون متر مكعب غاز، وقد تم تقديم تسع شركات، تم تأهيل أربع
منها، من بينها شركة «المراكبى للصناعات المعدنية»، وقد تم بالفعل إتمام
الإجراءات القانونية، وقمنا على الفور بالتعاقد مع شركات أجانب، وشركات
عالمية لتوريد المعدات الخاصة بالمشروع بملايين الدولارات، وفجأة قامت
الثورة فى 25 يناير، وبعدها أغلقت البنوك وتعطلت الأعمال داخل الشركات
والمؤسسات فترات طويلة، ولم يستقر الأمر داخلها إلا بعد فترة، وفى ضوء ذلك
تمت مخاطبة الهيئة العامة للتنمية الصناعية بمد مهلة سداد قيمة الرخصة قبل
انتهائها بأسبوع، وللأسف لم ترد الهيئة حتى انتهت المدة المحددة، ويجب-
لهذا السبب- على الهيئة أن تعترف بتداعيات الثورة، وما يحدث داخل الدوائر
الاقتصادية، والقيام بمد مهلة سداد قيمة الرخص.
وطالب المراكبى بتدخل الدكتور عصام شرف، رئيس مجلس الوزراء، لحل المشكلة
بشكل عاجل، خاصة أن الشركات الموردة لخطوط الإنتاج تحملت غرامات لسبب
تأخير التوريد.
والمفاجأة الكبرى أن شركة «حديد المصريين» قد أرسلت شيكاً مصرفياً إلى
هيئة التنمية الصناعية يوم الخميس 27 يناير بقيمة 46 مليونا و200 ألف
جنيه، ولم يستطع مندوب شركة حديد المصريين دخول الهيئة بحجة المظاهرات
الموجودة وقتها، وقد أغلقت الهيئة العامة للتنمية الصناعية حتى يوم 19
فبراير، وتم حبس رئيسها المهندس عمرو عسل، ولم يردوا على أى مكاتبات تم
إرسالها بهذا الخصوص.
القضية كاملة أمام الدكتور عصام شرف، رئيس مجلس الوزراء، ونعرف تماماً أنه
لن يتقاعس ولن يتأخر عن حسم الموضوع فوراً، خاصة أن الدكتور المهندس سمير
الصياد، وزير الصناعة والتجارة الخارجية، متفهم للوضع تماماً، ونأمل أن
يصدر القرار الصائب لاستكمال الإجراءات نحو إصدار التراخيص.