لم يكتب لمعاذ، ابن 13 عاماً، "حضور المباراة النهائية لفريق كرة قدم نادي الإتحاد، ورؤية لاعبيه الذين أحبهم، وهم يرفعون كأس الإتحاد الآسيوي"، فقد سبقه الأجل، وانتصر على جسده الصغير بصغر عمره، مرض سرطان الدم، الذي عانى منه قرابة السنة والنصف.
معاذ وقصة معاناة مع المرض
في قرية معر شورين المختبئة خلف تلة مطلة على معرة النعمان في ادلب، ولد معاذ عام 97، في أسرة ريفية تعشق "أهلي حلب"، شأنها شأن أغلب سكان القرية.
أخذ من والده محمد علي يسوف حب الرياضة وكرة القدم، وعشق الأهلي، الذي كان شغله الشاغل، إضافة لمتابعة مباريات كافة الأندية المحلية لكرة القدم، فكان يلعب الكرة في حارته بقميصه الأحمر، ويشجع الأهلي عبر التلفاز ملوحاً بعلم لوَّن رقعتها البيضاء بشعار النادي وألقابه وعبارات تشجيع حملت توقيعه البسيط والمكون من اسمه "معاذ" مكتوباً بالحبر الأزرق.
وبعيون تعصر دموع ألم الفراق، يروى محمد، والد معاذ، القصة منذ البداية قائلاً "عند بلوغه عمر 11 عاماً، تم تشخيص إصابة معاذ بسرطان الدم، ليبدأ
بالخضوع لجرعات علاج كيماوي في دمشق".
استمر علاج معاذ مدة 4 شهور، استقبل جسمه النحيل خلالها 6 جرعات كيماوية، لينتقل بعدها إلى العلاج بالأشعة في مشفى البيروني بدمشق أيضاً.
ويتابع الأب "بعد انتهاء جلسات الأشعة، انتقلنا لمرحلة العلاج بالحبوب الداعمة، والتي لم نستطع إكمالها لظهور أعراض التهاب الكبد لديه".
اضطر الأطباء لإيقاف العلاج بالحبوب، وعاد معاذ للتنقل بين مشافي دمشق الخاصة، والبيروني وابن النفيس، خاصة وقد تعرض لانتكاس مرضي، مما استدعى العودة للمعالجة بجرعات كيماوية، وهذه المرة بعدد مضاعف.
معاذ والأهلي
محبة معاذ لفريق الإتحاد دفعه، وهو يصارع المرض، لمراسلة إحدى القنوات التلفزيونية الرياضية العربية، التي تخصص في برنامجها زاوية لتحقيق أمنيات الأطفال المرضى الرياضية، فأبرق لهم يطلب مساعدتهم لتحقيق هدفين طالما حلم بهما: "حضور لقاء فريقه المفضل مع الكاظمي الكويتي، والالتقاء بحارس مرمى الأهلي السابق محمود كركر".
بدأت القناة اتصالاتها مع إدارة النادي الحلبي، مرسلة لهم المعلومات المتوفرة لديها عن الطفل ورغباته.
وبأنين جرح لم يشفى بعد يتذكر الأب حين "اتصل بي رئيس نادي الإتحاد محمد عفش، وأعلمني عن استعداده لاصطحاب معاذ إلى الكويت لحضور المباراة، لكن وضع معاذ كان يزداد سوءاً، وكان من الصعب تحقيق أمنيته".
كان معاذ يتابع أخبار الإتحاد خطوة بخطوة، رغم سوء حالته، وصحته المتدهورة يومياً، وبعد خسارة فريقه أمام موانغ ثونغ في تايلاند، كان موعد لقاء الحسم في حلب، لانتزاع بطاقة التأهل إلى المباراة النهائية.
يقول الأب "وصلنا إلى القرية قبل ساعة من موعد مباراة موانغ ثونغ، بعد الانتهاء من الجرعة الثانية، وكان معاذ متلهفاً لمشاهدة هذه المباراة التي طالما انتظرها، لكنه لم يتابع سوى شوطها الأول، ودون تركيز، حتى غدا في وضع يرثى له، فاضطررنا ليلاً لنقله بحالة اسعافية إلى دمشق".
بقي معاذ في المشفى، ملازماً الفراش بحالة صحية ما تلبث أن تتحسن قليلاً، حتى تقلب أشد سوءاً من ذي قبل، وكان والده يغتنم فرصة "فتح عيونه" ليقرأ له أخبار الصحف الرياضية، ويضعه في صورة التجاذبات بين الطرفين، فكان سعيداً بتأهل "حبه" إلى المباراة النهائية، التي طالما رغب بحضورها.
ويكمل الأب "اتصل بي العفش وأعلمني مرة أخرى عن استعداده لاصطحاب معاذ إلى الكويت لحضور المباراة النهائية، لكن وضعه الصحي المتدهور ما كان ليسمح بذلك".
توفي معاذ ليلة الثلاثاء، قبل أقل من 70 ساعة عن اللقاء المرتقب، الذي حلم به كثيراً، ليطوي صفحة صراع مع مرضه، الذي انتصر على جسده النحيل
، لكنه تقهقر أمام إرادته الصلبة وصلواته ليرفع الأهلي كأس الإتحاد الآسيوي.
خاض الإتحاد مباراته النهائية، عازماً على تحقيق النصر، وحمل الكأس الذي وعد الطفل معاذ به، فوفى بوعده ليفرح قلوب ملايين السوريين، وروح الطفل البريء الذي غدر المرض به.
تابعت الأسرة المكونة من الأب والأم وأخوات معاذ الـ 4 وشقيقيه الكبير والأصغر قتيبة، الذي يعاني من سرطان المعدة والأمعاء قبل سنة من معاناة شقيقه الأكبر، المباراة عبر التلفاز، و"رغم الأسى والحزن على وفاة معاذ، لكن فرحتنا كانت كبيرة لفوز الإتحاد بالكأس".
الإتحاد في منزل معاذ الأهلاوي
احتشد أهل القرية أمام منزل معاذ، لاستقبال فريق الإتحاد، الذي جاء ليثبت أن المرض والموت يصيبان الجسد فقط، دون الذكرى، فقام لاعبو كرة القدم وإداريي الفريق، وأعضاء مجلس إدارة النادي، بزيارة أسرة معاذ، التي استقبلتهم وأهل القرية، في منزلها الريفي.
وبعد أن قدم "الوفد الإتحادي" العزاء للأهل، وتنفيذا للوعد الذي قطعوه، قدم رئيس مجلس الإدارة الإتحادية محمد عفش كأس الإتحاد الآسيوي لوالد معاذ، ليحمله في مشهد ا
ختلطت فيه دموع الحزن والسعادة.
وقال العفش "أتينا معزين وموفين بوعدنا لمعاذ الغائب جسده عنا، ليكون بين أطهر الناس، والحاضر ذكراه بيننا".
ثم توجه أبطال كأس آسيا والمعزون إلى قبر معاذ، ليجمعوه بالكأس الذي لم يره في حياته، وبعد قراءة الفاتحة على روحه الطاهر، توجه الفريق إلى اللاذقية لمواجهة فريق حطين لكرة القدم.
خسرت عائلة يسوف فلذة كبدها، الذي رحل دون أن يكحل عينيه برؤية الحبيبة تعتلي منصة الانتصار، لكن حمل الأب لكأس الإتحاد الآسيوي في باحة الدار، لربما يواسي العائلة التي اتفقت على "حب الأهلي من كبيرها إلى أصغر الأفراد سناً".
سركيس قصارجيان-
سيريانيوز-ادلب